على من الانبياء أنزل الزبور ؟؟

على من الانبياء أنزل الزبور ؟؟


الجواب


أنزل الزبور على النبي داود عليه السلام

النبيّ داود ‘‘داوود’’ (عليه السلام) مهمٌّ جدًّا بين الأنبياء. بدأ النبيّ إبراهيم (عليه السلام) شريعةً جديدةً أو نظامًا جديدًا ( أيّ التدبير الإلهي لشؤون العالم) من خلال الوعد بذريَّةٍ وأمّةٍ عظيمةٍ – ومن ثمَّ قدَّم الذبيحة الكبرى. أعتق النبيّ موسى (عليه السلام) بني إسرائيل من العبوديَّة – من خلال ذبيحة الفصح – ثمَّ أعطاهم الشريعة حتّى يتمكَّنوا من أن يصبحوا أمَّةً. ولكن ما كانوا يفتقدون إليه كان ملكًا يستَجلِب عليهم أسلوب حكمه البركات عوضًا عن اللعنات من الله. كان داود (عليه السلام) هو ذلك الملك والنبيّ. وقد بدأ تدبيرًا إلهيًّا آخر – نظام الملوك الذين يحكمون من أورشليم.

 من كان الملك داود (عليه السلام)؟

يمكنك أن ترى من الجداول الزمنيَّة لتاريخ بني إسرائيل أنَّ داود (عليه السلام) عاش في حوالي سنة 1000 قبل المسيح، أيّ ألف عام بعد إبراهيم (عليه السلام) و 500 عام بعد موسى (عليه السلام). بدأ داود (عليه السلام) حياته كراعٍ يرعى غنم أسرته. قاد العملاق – جوليات – العدوّ الأكبر لبني إسرائيل، جيشًا لغزو الإسرائيليّين، وكان بنو إسرائيل مثبطي العزيمة ويشعرون بالقهر والانهزام. ومع ذلك، تحدَّى داود (عليه السلام) جوليات وقتله في معركة. كان مقتل جنديٍّ عملاقٍ على يد صبيٍّ راعي أمرًا استثنائيًّا وبارزًا بحيث أصبح داود (عليه السلام) شخصًا مشهورًا. بعد ذلك، ذهب بنو إسرائيل لهزيمة أعدائهم. يخبرنا القرآن الكريم عن هذه المعركة التي وقعت بين داود (عليه السلام) وجوليات (جالوت) في الآية التالية:



بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ.

(سورة 2: 251 – البقرة)

نمَت شهرة داود كمحارب بعد هذه المعركة. لكنَّه لم يُصبح ملكًا إلاّ بعد مروره بتجارب طويلةً وصعبةً لأنَّه كان لديه الكثير من الأعداء، سواءٌ في الخارج أو بين بني إسرائيل ممَّن كانوا يعارضونه. يسرد سفر صموئيل الأوَّل والثاني في الكتاب المقدَّس قصَّة صراعات وانتصارات داود (عليه السلام). كان صموئيل (عليه السلام) النبيّ الذي مسحَ داود (عليه السلام) كملك.

كان داود (عليه السلام) مشهورًا أيضًا كموسيقيّ يضع ألحان أغانٍ وقصائد جميلة تسبيحًا لله. وهذا مذكورٌ في القرآن الكريم في الآية التالية:

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (إلى الله). إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ، وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً (مجتَمِعَة): كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ (إلى الله). وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ. (سورة 38: 17- 20- صاد)

تؤكِّد هذه الآيات على قوَّة المحارب لدى داود (عليه السلام)، لكنَّها تؤكِّد أيضًا على ‘‘التسبيح’’ الذي كان بمثل جمال تغريد الطيور لخالقها. وكملك، ‘أُعطيَ’ داود (عليه السلام) الحكمة في ‘الخطاب’ من الله. دوِّنَت هذه الأغاني والقصائد التي وضعها داود (عليه السلام) وهي تشكِّل السفر الأوَّل من الزبور – الذي يُعرَف بسفر المزامير. لأنَّ حكمة كلماته أُعطِيَت له من لَدُن الله، وكانت سجلاّت داود هذه مقدَّسة أيضًا وموحى بها مِن الله، مثلها مثل التوراة. يشرح القرآن الكريم الأمر على هذا النحو:

 بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا. (سورة 17: 55 – الإسراء)

سُليمان (عليه السلام) – استمرار الزبور

لكنَّ هذه الكتابات الموحى بها لم تنتهِ مع داود (عليه السلام) الذي توفّيَ في سنٍّ متقدِّمة وهو ملك. كان سليمان (عليه السلام) ابنه ووريثه، وقد أوحى الله إليه أيضًا بالحكمة. يصف القرآن الكريم الأمر على هذا النحو:

 بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (إلينا). (سورة 38: 30 – صاد)

و

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ. فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا (لكٍّل منهما) آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (كلّ هذهِ الأمور). (سورة 21: 78-79– الأنبياء)

بسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ. (سورة 27: 15 – النَمْل)

وهكذا استمرَّ سليمان (عليه السلام) في إضافة أسفار الحكمة الموحى بها إلى كتاب الزبور. دُعِيَت أسفاره بأسفار الأمثال و الجامعة و نشيد الإنشاد.

 تواصُل الزبور مع مزيدٍ من الأنبياء

ولكن بموت سليمان (عليه السلام)، لم يتبع الملوك الذين تعاقبوا بعده ما جاء في التوراة. لم يأتِ أيٌّ من هؤلاء الملوك اللاحقين برسائل موحى بها من الله. كان داود وسليمان (عليهما السلام)، من بين جميع ملوك إسرائيل، هما فقط مَن كانت كتاباتهما موحى بها مِن الله – كانا نبيَّين كما كانا مَلِكَين. ولكنَّ الله أرسل للملوك الذين جاءوا بعد سليمان (عليه السلام) أنبياء يحملون رسائل تحذير. كان يونان ‘‘يونس’’ (عليه السلام)، وهو النبيّ الذي ابتلعه الحوت، أحد هؤلاء الأنبياء (سورة 37: 139-144). استمرَّت هذه الحقبة التي كان الأنبياء يتوجَّهون فيها بخطابهم إلى الملوك وشعب إسرائيل حوالي 300 عام. كانت نبوءاتهم تضاف أيضًا إلى أسفار الزبور الموحى بها. وكما هو موضَّحٌ هنا، كان الإسرائيليّون أخيرًا قد تعرَّضوا للغزو وتمَّ ترحيلهم مِنْ قِبَل البابليِّين إلى بابل، ثمَّ عادوا إلى أورشليم تحت حكم قورَش، مؤسِّس الإمبراطوريَّة الفارسيَّة. تواصَلَ إرسال الأنبياء وتواصل تقديم رسالاتهم خلال هذه الفترة – وكُتِبَت هذه الرسائل في أسفار الزبور الأخيرة.

 الزبور – توقُّع مجيء المسيح

هؤلاء الأنبياء جميعًا هم مهمُّون بالنسبة إلينا نظرًا إلى أنّهم، وفي وسط تحذيراتهم، قد وضعوا أيضًا الأساس للإنجيل. في الواقع، أُدخِلت تسميه ‘المسيح’ بواسطة داود (عليه السلام) في مرحلةٍ مبكرة في المزامير (الجزء الذي كتبه من الزبور) وتنبَّأ الأنبياء اللاحقون، في مزيدٍ من التفصيل، بمجيء المسيح. كان لهذا أهميَّة خاصَّة نظرًا إلى فشل الملوك اللاحقين في إتباع تعاليم التوراة، وفشل الشعب الإسرائيلي في إطاعة الوصايا. كان الوعد بمجيء المسيح، والأمل والتَوق إلى هذا المجيء، قد وردَ في النبوءات في سياق إخفاقات الشعب في تلك الأيّام. وكأنبياء، كانوا ينظرون إلى المستقبل، مثلما كان موسى (عليه السلام) يطلب من الأنبياء في التوراة. وهذه النبوءات تتحدَّث إلينا في عالمنا المعاصر اليوم، إلى الذين فشلوا أيضًا من بيننا في سلوك الطريق الصحيح في حياتهم، والذي يعرفون أنّهم ينبغي أن يسلكوه. كان المسيح بمثابة منارة الرجاء في خضمِّ حالة الفشل.

 كيف كانت نظرة عيسى المسيح (عليه السلام)إلى الزبور، وكيف استخدمه

في الواقع، استخدم عيسى المسيح نفسه (عليه السلام) الزبور لمساعدة أصحابه وأتباعه على فهم الإنجيل وعلى فهم دور المسيح. ويُذكَر عن عيسى أنَّه

 ثُمَّ ابْتَدَأَ مِنْ مُوسَى وَمِنْ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ يُفَسِّرُ لَهُمَا الأُمُورَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ.

(لوقا 24: 27)

تُشير عبارة ‘وجميع الأنبياء’ إلى هؤلاء الأنبياء من الزبور الذين تبعوا توراة موسى (عليه السلام). أراد عيسى المسيح (عليه السلام) أن يفهم أصحابه ما علَّمه الزبور بشأنه وما تنبَّأ به عنه. ثمَّ واصل عيسى المسيح (عليه السلام) تعليمه لهم

 وَقَالَ لَهُمْ:‘‘ هذَا هُوَ الْكَلاَمُ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ وَأَنَا بَعْدُ مَعَكُمْ: أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَتِمَّ جَمِيعُ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِّي فِي نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ’’. حِينَئِذٍ فَتَحَ ذِهْنَهُمْ لِيَفْهَمُوا الْكُتُبَ.

(لوقا 24: 44-45)

عندما يُشير هنا إلى ‘الأنبياء والمزامير’، فهذا يعني السفر الأوّل من الزبور الذي كتبه داود (المزامير)، ثمَّ الأسفار اللاحقة التي تضمَّنها الزبور (‘الأنبياء’). كان عيسى المسيح (عليه السلام) في حاجةٍ إلى ‘فتح ذهنهم’ وعندها فقط سوف يكونون قادرين على فهم ‘الكتب المقدَّسة’ (أيّ أسفار الكتاب التوراة والزبور الموحى بها). إنَّ هدفنا في السلسلة المقبلة من المقالات هو متابعة ما بيَّنه عيسى المسيح (عليه السلام) من هذه الأسفار حتّى نتمكَّن نحن أيضًا من فتح أذهاننا، ومِن ثمَّ نستطيع فهم الإنجيل.

 داود (عليه السلام) وأنبياء الزبور في جدول التاريخ الزمني


تلخِّص الصورة أدناه معظم الأنبياء (ولكن ليس كلّهم، لأنَّه ليس هناك مساحة كافية للجميع). يُظهرُ عرض الشرائط (الخطوط) عمرَ كلّ نبيٍّ بعينه. ويتبع رمز اللون في الجدول الزمنيّ حالة بني إسرائيل بالأسلوب نفسه، كما هو الحال عندما تابعنا تاريخهم، من بركات موسى ولعناته.

تعليقات

المشاركات الشائعة